
شمس برس/ تشهد المائدة الإيرانية اختفاء اللحوم بعد أن كانت مادة رئيسية فيها، وذلك بسبب استمرار الارتفاع الجنوني في أسعارها واستمرار التضخم في الاقتصاد الإيراني وتراجع القوة الشرائية للمواطنين، وقد دقت هيئات إحصائية حكومية مختلفة ناقوس الخطر، مما يؤكد أن هناك تهديد حقيقي باختفاء اللحوم بالكامل من موائد طعام الإيرانيين.
إن التضخم الموجود في سوق السلع مثل الإسكان والذهب والعملة الأجنبية والسيارات تحت سيطرة النخبة الحاكمة في إيران، هو ظرف معترف به لا لبس فيه ولا يحتاج إلى توضيح، في حين تم تصنيفها في البداية على أنها ضروريات فخمة أو ثانوية في الحياة الحضرية، إلا أن هذه العناصر تشمل مكونات غذائية أساسية لا غنى عنها، وتتجاوز مجرد الزوائد.
إن الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية التي لا غنى عنها خلال السنوات الأخيرة هو ظاهرة بديهية تؤثر بشكل ملموس على المجتمع، وفي خضم هذا المسار، شهدت بعض العناصر ارتفاعاً واضحاً ومتصاعداً في التكلفة، مما كان له تداعيات مباشرة على الرفاهية الجسدية والنفسية للسكان.
وهذا الارتفاع الكبير في الأسعار أمر محير بشكل ملحوظ على الرغم من غياب إيران عن الظروف الحربية أو حالة المجاعة، ومن بين المواد الغذائية الهامة المتضررة، تبرز اللحوم الحمراء بشكل بارز، وقد ارتفع سعره إلى مستويات باهظة، مما جعله خارج نطاق إمكانيات شريحة كبيرة من السكان، دون أي علامات على التخفيض.
تكشف التحليلات الإحصائية التي أجرتها السلطات المختصة في إيران على مدى السنوات الخمس الماضية عن زيادة غير مسبوقة بنسبة 300٪ في أسعار اللحوم، واللافت بشكل خاص هو الارتفاع الذي لوحظ خلال العام الماضي، حيث سجل زيادة مذهلة بلغت 140%، وهو ما كشف عنه مؤخراً مركز الإحصاء الإيراني.
ويتميز هذا الاتجاه المتصاعد بأسعار لحم الضأن، التي أظهرت نموا بنسبة 150٪ تقريبا بين آب/ أغسطس 2022 وآب/ أغسطس 2023. ومن الناحية الكمية، فإن هذا يعادل زيادة قدرها 2.5 ضعف في سعره. وبالترادف، شهدت لحوم العجل ولحم البقر والأسماك المعلبة ارتفاعات ملحوظة بنسبة 128% و108% و108% على التوالي خلال الفترة نفسها.
أدى الارتفاع الأخير والمذهل في أسعار السلع الغنية بالبروتين في إيران إلى وضع البلاد بين الأسوأ على مستوى العالم من حيث تضخم أسعار المواد الغذائية، وفقًا لإحصاءات البنك الدولي، وأفاد البنك الدولي عن نمو أسعار المواد الغذائية بنسبة 80% في المتوسط خلال فصلي الربيع وأوائل الصيف من العام الحالي.
والجدير بالذكر أن ارتفاع أسعار اللحوم كان من أبرز الزيادات، لدرجة أن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وهي فرع من فروع الأمم المتحدة، أعلنت في حزيران/ يونيو الماضي أن استهلاك اللحوم والألبان انخفض بشكل كبير بين الأسر الإيرانية.
وفي وقت سابق من شهر تموز/ يوليو، أعلن منصور بوريان، رئيس مجلس مشتريات الماشية في إيران، عن انخفاض بنسبة 50% في استهلاك الأسر الإيرانية للحوم في غضون عام واحد فقط حتى تلك اللحظة.
حدث ذلك حيث أظهر مركز الإحصاء الإيراني انخفاضًا في نصيب الفرد من استهلاك اللحوم بين الأسر الإيرانية من 13 كيلوغراماً إلى 8 كيلوغرامات بين عامي 2011 و2019.
وتظهر مقارنة البيانات الإحصائية الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني وتصريحات بوريان بوضوح تسارع معدل التضخم في أسعار اللحوم خلال العامين الماضيين ومساره المثير للقلق.
واستمراراً لتصريحات الشخصيات الرئيسية في هذا المجال، ذكر مسعود رسولي، أمين سر جمعية صناعة تعبئة اللحوم والبروتين، في ايار/ مايو 2023، أن استهلاك الفرد من اللحوم للمواطنين الإيرانيين انخفض إلى 3 كيلوغرامات فقط في عام 2023.
يشير مصطلح “نصيب الفرد” إلى تقسيم إجمالي اللحوم المستهلكة في دولة ما خلال العام على إجمالي عدد المواطنين، مما ينتج عنه رقم صغير جدًا يبلغ حوالي 8.2 غراماً من اللحوم يومياً لكل مواطن.
ومن المؤكد أن الشرائح الغنية في المجتمع تستهلك أعلى كميات من البروتين، في حين أن الشرائح ذات الدخل المنخفض قد تكافح لعدة أشهر لتوفير الحد الأدنى من متطلبات اللحوم، وتفتقر بلا شك إلى الوسائل اللازمة لتأمين 8.2 غرام من اللحوم يوميًا لكل فرد من أفراد الأسرة.
إن تصاعد أسعار المواد الغذائية، إلى جانب التحديات الاجتماعية والاقتصادية القائمة والقمع التاريخي، يشكل برميل بارود لزيادة الاضطرابات، ويؤدي عدم المساواة الصارخ، لا سيما في الحصول على سبل العيش الأساسية، إلى تفاقم الإحباطات. إن هذه الفوارق الاقتصادية، عندما تقترن بقضايا مجتمعية أوسع، تخلق بيئة متقلبة مهيأة للسخط والاحتجاجات المدنية.