
شمس برس/ اتخذت موجة الهجرة من إيران منحىً يهدد بإفراغ البلد من الكفاءات والنخب الأكاديمية، بعد أن اختار هؤلاء التوجّه الى المطارات وترك إيران الى غير رجعة، كما انضم إليهم مسؤولون حكوميون ومدراء دوائر مهمة في الدولة.
وتشير التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام الإيرانية الى انعطافة خطيرة في أنماط الهجرة في البلاد، وفي هذه الموجة الأخيرة من تدفق الموارد البشرية إلى الخارج، اختار الهجرة كبار المسؤولين، بما في ذلك موظفو وزارة الصحة، وكذلك العمال المهرة.
وقد اكتسب اتجاه الهجرة هذا زخماً كبيراً لدرجة أن عالم الاجتماع مقصود فراست خواه أشار إلى تحول مذهل، فبينما كانت معاهد اللغات في الماضي تقدم دورات بلغتين فقط، ارتفع الطلب اليوم إلى درجة أنها تقوم بتدريس مجموعة متنوعة من اللغات تصل الى عشر لغات مختلفة.
*اتساع نطاق الهجرة
وشدد فراست خواه، خلال مقابلة مع موقع جماران، على أن ظاهرة الهجرة هذه تمتد حتى إلى عامة الناس، لتشمل الأفراد الذين يفتقرون إلى الوسائل المالية والموارد المرتبطة عادة بالهجرة.
وفي عددها الأخير، تناولت صحيفة هم ميهن أيضاً موجة الهجرة المتصاعدة، وذكرت أنها تشمل الآن أساتذة الجامعات ومديري الرعاية الصحية عبر مختلف مستويات النظام.
ووثّق مراسل الصحيفة حالات لشخصيات بارزة، مثل مدير دائرة الصحة بوزارة الصحة، ومدير قسم الأوبئة، ورؤساء مراكز التجارب السريرية ومراكز أبحاث الإدمان في بعض جامعات العلوم الطبية، الذين اختاروا الهجرة.
*النخبة الأكاديمية والمهنيون يودّعون إيران
وتشير التقارير إلى أن موجة الهجرة الأخيرة جلبت أيضًا أساتذة جامعيين، وفي 13 آذار/ مارس 2022، كشف سعيد سمنانيان، الرئيس السابق لجامعة تربيت مدرس، أنه في إحدى كليات جامعة طهران، من بين 70 أستاذاً، هاجر حوالي 30 أستاذًا بالفعل، وكان الباقون يفكرون في خطوة مماثلة، وذكرت صحيفة هم ميهن في مقال نشرته مؤخرا أن الرئيس السابق للجنة الوطنية لوبائيات كوفيد-19 وعضو هيئة التدريس السابق في قسم علم الأوبئة في جامعة بهشتي للعلوم الطبية اختار أيضا الهجرة بعد عدة أشهر من البقاء في المنزل.
*إبعاد شرائح مختلفة من السكان
ويؤكد مسعود فراست خواه، عالم الاجتماع، أن الأنظمة داخل إیران تدفع شرائح مختلفة من الشعب الإيراني، بما في ذلك النخبة والشباب والنساء والرجال الإيرانيين، إلى الابتعاد.
ووفقاً لتقييمه، يوجد الآن ما لا يقل عن 5 ملايين مهاجر إيراني، منهم 2 مليون مهاجر من النخبة وأكثر من 100 ألف طالب.
*المخاوف المجتمعية ورد الفعل العام
وفي الأيام الأخيرة، أثار نشر صورة تصور مغادرة النخبة الأكاديمية في جامعة شريف في المطار ردود فعل شعبية كبيرة ومناقشات مكثفة حول هجرة المواهب الفكرية والأكاديمية في البلاد.
وأعرب أحد أعضاء البرلمان عن قلقه بشأن الأسباب الكامنة وراء هذه الموجة من هجرة النخبة، قائلاً :” عندما يقولون: نحن ما ترون، ولم تدعمونا، فلا تستغربوا إذا حصلنا على جوازات سفر، هذه ليست الطريقة المناسبة للتعامل مع رأس المال البشري ونخب الأمة “.
*التأثير على أنظمة الرعاية الصحية والتعليم
أعرب إيرج فاضل، وزير الصحة السابق، عن مخاوفه لصحيفة هم ميهن بشأن هجرة أساتذة العلوم الطبية وخروجهم من نظام الرعاية الصحية، وقال :” إن تصور مستقبل واعد للمجال الطبي في البلاد يبدو تحدياً متزايداً، حيث أن الطريق إلى أن تصبح أستاذاً جامعياً محترماً ليس طريقًا يمكن اجتيازه بسرعة “.
وقد ردد معين الدين سعيدي، ممثل جابهار في برلمان النظام، هذه المخاوف، مؤكدا على أن :” عدداً كبيراً من المتفوقين في امتحانات القبول الوطنية، والنخب الفكرية، والمتخصصين في الرعاية الصحية اختاروا الهجرة “.
*العوامل الدافعة للهجرة
وفي تقرير نشر في منتصف أيلول/ سبتمبر، نقل موقع إيران واج عن بهرام صلواتي، مدير مرصد الهجرة الإيراني، قوله :” إن نسبة مذهلة تبلغ 67٪ من الموظفين الرئيسيين والخبراء من الشركات القائمة على المعرفة هم حالياً في طور الهجرة “.
وأضاف صلواتي :” لقد اتسع نطاق الهجرة الآن إلى ما هو أبعد من المواهب الإيرانية والنخبة المتعلمة والمثقفين، لتصل إلى مختلف الطبقات الاجتماعية، وخاصة تلك الموجودة في الفئات العشرية الاقتصادية الأدنى “.
وقد أشارت الدراسات الاستقصائية باستمرار إلى أن العوامل الاقتصادية والسياسية، إلى جانب قضايا الحكم، هي المحرك الرئيسي وراء اتجاه الهجرة في إيران. تؤثر هذه التحديات بشكل كبير على أنظمة الرعاية الصحية والتعليم في البلاد.
*عواقب المشهد السياسي في إيران على المجتمع
إن موجة الهجرة المتصاعدة من إيران هي نتيجة حتمية للدكتاتورية الدينية السائدة في البلاد، لقد خلق الفساد والاختلاس وسوء الإدارة والافتقار الشديد للشفافية داخل الحكومة والنظام بيئة أصبحت فيها تلبية احتياجات المجتمع وتوفير الضروريات الأساسية صعبة بشكل متزايد، وقد ساهم ذلك في خيبة أمل ليس فقط للنخبة، بل أيضاً للشباب والنساء والرجال عبر مختلف الطبقات الاجتماعية.
وفي الختام، تشهد أنماط الهجرة في إيران تحولا كبيراً، حيث يختار النخب والمثقفون الهجرة، ولهذا النزوح آثار كبيرة على أنظمة الرعاية الصحية والتعليم في البلاد، فضلاً عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأوسع. تسلط الأسباب الجذرية لاتجاه الهجرة هذا، مدفوعًا بالتحديات الاقتصادية والسياسية، الضوء على الحاجة الملحة للإصلاح داخل الحكم والمشهد السياسي في إيران لوقف هجرة الأدمغة وتأمين مستقبل أكثر إشراقاً للأمة.